حقوق الانسان: تحولت أحلامهم الوردية بالرخاء والتطور إلى سراب وتوقعوا إستمرار دوامة العنف لعقد من الزمان ... طلاب الجامعات العراقية يفكرون بالفرار فور تخرجهم هرباً من الواقع نيويورك تايمز /:-
بدأوا الدراسة الجامعية قبل أو بعد الغزو الاميركي وهم يحلمون بعلاقات جديدة واساتذة اذكياء ودرجات علمية متقدمة تؤدي الى وظائف ممتازة وزوج واطفال. كان يبدو ان النجاح في متناول ايديهم. وبعد اربع سنوات، ينهى طلاب الجامعات العراقية دراستهم وهم محطمون ويسعون لمغادرة البلاد. ففي مقابلات مع اكثر من 30 طالبا من سبع جامعات عراقية، ذكر الجميع فيما عدا اربعة انهم يأملون في الفرار فور تلقي درجاتهم. وذكر العديد انهم لا يتوقعون استقرار العراق لعقد من الزمان على الاقل.
وقال حسن طارق خلدون، 24 سنة، ويدرس الصيدلة في الموصل «كنت احلم بالحصول على الدكتوراه، والمشاركة في المؤتمرات الدولية، والانضمام الى فريق يكتشف علاجات لإمراض مثل الايدز، وترك بصماتي على الطب. والآن تبخرت كل هذه الاحلام». واوضح كرار علاء، 25 سنة، وهو طالب طب في جامعة بابل، في جنوب بغداد «البقاء هنا مثل الانتحار».
وقد تخرجت دفعة 2007 خلال عملية تحول وصفها الطلاب بأنها حصدت مأساة من بذور الامل. وهم بقايا طبقة متوسطة هرب عشرات الألوف منها. وهم يجسدون تقدم البلاد من البراءة الى الحكمة المريرة وسط توقعات وعداوات متزايدة تجاه الاميركيين. وقالوا انهم سيغادرون بلادهم وهم يشعرون بتعرضهم للخيانة، من العنف المتزايد الذي قتل عشرات من اساتذة الجماعات والاصدقاء، ومن النفوذ المتزايد للاصولية الاسلامية ومن الاميركيين، الذين تسببوا في شق البلاد التي اطلقت طاقات العنف بدون حماية المؤسسات المعتدلة التي يمكن ان تصبح متراسا ضد التطرف.
وقال عبد الحسين ابراهيم زين العابدين وهو شيعي تركماني يدرس القانون في جامعة كركوك في شمال البلاد «اريد شكرهم على تحرير بلادي، ولكن كفى اخطاء». وقال ان الاخطاء «ادت الى انقسامات وارهاب». وقد بدأ الخريجون الذين يقدر عددهم بـ 56 الف خريج دراستهم في ظل ظروف مختلفة. فقد اوضحوا انه مع توقع اقوى دولة في العالم تحديث ونشر الديمقراطية في بلادهم، شعروا بأنهم فئة مختارة سيشتهرون على المسرح العالم.
وقال احمد صلاح عبد القادر، 21 سنة، وهو طالب بيولوجي في جامعة البصرة «اعتقدت اننا سنصبح مثل النجوم». واوضح زين العابدين «كنت اعتقد ان العراق سيصبح مثل لاس فيغاس ولا سيما كركوك، التي يوجد بها نفط». وبدلا من ذلك وبعد فترة امل عقب اسقاط حكومة صدام حسين، ذكر الطلاب انهم شاهدوا ظهور الصراعات العرقية والطائفية وانتشارها.
وفي جامعات العراق التي يصل عدها الى 21 جامعة، بدأ الانهيار بانتشار الفوضى. فقد سرق اللصوص الاعمال الاثرية القديمة ودمروا مباني جامعة البصرة على سبيل المثال، بعد ايام من وصول القوات البريطانية للمنطقة في عام 2003. ثم تبع ذلك العنف. ففي يونيو 2004 قتل بروفسور جغرافية في جامعة بغداد بعد مغادرة الحرم الجامعي. ولم يكن الاخير.
وقال عبد ذياب العجيلي وزير التعليم العالي «لقد فقدنا 200 بروفسور. كما تم اختطاف مجموعة اخرى». واضاف ان عشرات غادروا البلاد. وهو ما جعل العجيلي يقضي معظم وقته يحاول اغراء هؤلاء الذين لا يزالون في البلاد بعدم المغادرة. وهي مهمة صعبة، ففي شهر نوفمبر اختطف عشرات من موظفي الوزارة في ضوء النهار على يد مسلحين يرتدون زي الشرطة.
وقال العجيلي «لن ادعي اننا في وضع جيد. نحن نعيش. ونحاول بذل افضل ما في وسعنا لجعل نظام التعليم جيدا بقدر الامكان». وقال الطلاب ان نظام التعليم العراقي الجامعي قد انهار، بسبب الغاء المحاضرات المستمر والمعدات القديمة، كل ذلك في مناخ متزايد من العنف والإرهاب.
وقال زين العابدين ان عدد دفعته من طلاب القانون في جامعة كركوك قد انخفض الى 30 طالبا فقط عند تخرجهم، من 85 عام 2003، بسبب اراقة الدماء والخوف. واعترف ان مزيدا من الشيعة يدرسون في الجامعات اكثر من قبل. وقال انه كان واحدا من الطلاب الذين اكدوا انه لن يغادر البلاد. وقال «لست افضل من هؤلاء الذين عانوا او قتلوا». الا انه لم يتمكن من اخفاء احباطه من البلاد التي سترثها دفعته.
وقال انه واصدقاءه يناقشون وبصفة مستمرة «قبح الارهاب، والقتل المنشر في كل مكان في العراق، والأخطاء الاميركية، والطريقة التي يهينون بها العراقيين، والموقف المخجل للدول المجاورة وضياع الهوية العراقية امام الانقسامات الطائفية والعرقية». وقال زين العابدين «احمل صدام حسين المسؤولية لانه باع العراق وكان وراء وصول المحتلين. وألوم الادارة الاميركية لأخطائها في التعامل مع العراقيين».
بل ان المزاج كان أكثر كآبة في الأسبوع الماضي في الجامعة المستنصرية. ففي يناير الماضي تفجرت سيارتان وقتل مفجر انتحاري ما لا يقل عن 70 شخصا. وبعد شهر من ذلك فجرت أمرأة كانت ترتدي حزاما ناسفا نفسها في مدخل الجامعة مما ادى الى مصرع ما يزيد على 40 شخصا.
وفي أعقاب الهجمات كانت هناك كتب ودفاتر ملطخة بالدماء وقطع زجاج وحقائب ماكياج متناثرة على الأرض. وقد دفن الطلاب في وقت لاحق البقايا في مكان كانوا يتجمعون فيه عادة ويؤدي النصب التذكاري، وهو كومة من الطين وفيها رايات تحتوي على أسماء من ماتوا، وظيفة التذكير الدائم بالفظائع التي عاناها الخريجون هذا العام.
وقال طالب اعطى اسمه الأول فقط، وهو سيف، خشية من الانتقام «لدينا قبر جماعي في الجامعة. تخيلوا أجزاء أجساد، حيث دفناها هنا في الجامعة المستنصرية. تخيلوا أي وضع سيئ هو وضعنا». وقال عدد من الطلاب على وشك التخرج ان الهجمات لم تفعل سوى تعزيز عزمهم على اكمال دراساتهم. والحقيقة انه في عدد من الجامعات في بغداد كانت هناك مساع في عام 2007 لتحقيق الأفضل في وضع صعب.
وفي حفل تخرج في الجامعة التكنولوجية هنا في ابريل الماضي كان الطلاب يمزحون مع بعضهم، بينما كان طلاب جامعة بغداد يتشاركون في النكات حول العنف عبر هواتفهم المحمولة. وسجل خريجو طب الأسنان أغنية يسخر فيها الطلاب من بعضهم البعض.
وقال ثلاثة من مؤلفي الأغاني وهم ماهر رافد ،22 عاما، واحمد باهر ، 22 عاما، وحسن هيثم ،22 عاما، ان الدعابة كانت قد ساعدتهم على البقاء قادرين على التفكير عبر الفوضى.
وفي ظهيرة احد الأيام الأخيرة في شرق بغداد قالوا، وهم يتحدثون الانجليزية بصورة جيدة ويرتدون قمصانا فيها ماركات مثل ديزل وايكو، انهم يتمنون أن يتذكر العالم انه ليس كل الشباب العراقيين يريدون قتل بعضهم بعضا. واعترفوا بان بعض زملائهم في الدراسة يدعمون الجهاد ضد الأميركيين كجزء مما سموه «المقاومة». و
لكنهم قالوا ان معظم طلاب الكليات العراقيين لا يشاركون في ذلك لأنهم يريدون الأشياء ذاتها التي يريدها الطلاب الآخرون: الوظيفة والعائلة والقليل من المرح، وفرصة ان يبدو المرء معتدلا. وقال رافد ان العراق «مثل أي بلد آخر»، ثم أضاف «حسنا اذا وضعنا التفجيرات جانبا فانه مثل أي بلد آخر». والحقيقة انه ونظراءه يخاطرون بحياتهم من اجل اكمال دراستهم.
وكان هيثم مسجلا في جامعة الموصل ولكنه انتقل ليكون قريبا من عائلته. وقال انه في الموصل تعرضت سيارته الى اطلاق نار وهو في طريقه الى المعهد. وقال ان بغداد ليست أفضل كثيرا. وفي بعض الأيام رأت امه أجسادا في الطريق بعد ثوان من ايصاله. وقال «لدي خطة في ان يكون لي يوما ما زوجة وأطفال وعيادتي الخاصة لتطبيب الأسنان. كانت احلاما جيدة، وقد تبخرت».
وقال انه في معظم السنوات الربع الماضية كانت مواعيده مقتصرة على الحضور الى الكلية والعودة الى البيت. وقد تقلص عدد الدارسين لطب الأسنان في صفه. وغالبا ما يكون جهاز بلاي ستيشن من سوني للعب كرة القدم رفيقه الوحيد في رحلته.
وبالنسبة لهيثم وزملائه تعزز قرار مغادرة العراق عبر الهجوم على الحرم الجامعي في ابريل الماضي. فقبل الساعة الثامنة صباحا بقليل وقد بدأ الدرس للتو انفجرت قنبلة في خزانة.
واندفع هيثم الى مكان الانفجار ورأى احد الطلاب مرميا على الأرض. وعندما وضع يديه تحت ظهر الضحية لنقله الى مكان آمن شعر بوجود شظية. فقد مزق التفجير جسد الطالب من الخلف. وقال هيثم «لم يكن بوسعه التنفس، ولكنه كان ما يزال حيا. نقلناه الى باب الكلية حيث فارق الحياة».
وكان طالب آخر، وهو ابن وزير في الحكومة، يبدو هدفا للهجوم. وقد فقد أربعا من أصابعه. وغير التفجير خطط الفصل الدراسي فألغى مسؤولو الجامعة حفل التخرج خشية مزيد من العنف. ومنح الطلاب امتيازا واحدا مكنهم من التقاط صور
. وفي الحدث في الشهر الماضي التقط الآباء صورا حيث ساعدوا في اعداد بوستر حول الطالب الذي قتل. وكان معظم الأمهات والآباء يشعرون بالارتياح لتخرج ابنائهم. ولم يحضر الطالب الجريح ولا عائلته. ولم يكن من الواضح ما اذا كان قادرا على اكمال دراسته.
وقال رافد «كانت امامه ايام قليلة للتخرج، وقد اخذوا منه كل هذا». وقال رافد ان قرار مغادرة العراق مؤلم ولكن لا يمكن تجنبه. واضاف «هذا بلدي. ومن الطبيعي ان اشعر بالحزن لمغادرة عائلتي وأصدقائي ممن لا يمكنهم الذهاب معي الى أي مكان آخر. ولكنه شيء يحقق لي الأمان، ويحافظ على حياتي. وبعد ما رايته اعتقد انه ما من مستقبل هنا».